في الفن والصمود: مهرجان البندقية السينمائي 2020…

لقد قرأت بالتأكيد وسمعت مرارا و تكرارا هذه الكلمات: 2020 عام خاص واستثنائي وغير متوقع! تجمد العالم بِأَسْره لأشهر لمواجهة فيروس مجهول و وقفت كلّ الإنسانيّة بلا حول و لا قوّة محاولة الحدّ من مخلفاته. إلاّ أنّ صُمودا غير مُعْتاد سَاد وجْه البَسيطة. لغويا، صَمَدَ صَمْداً، وصُمُوداً: ثَبَتَ واستمرَّ, و الرَّجُلٌ صَمَدٌ: الْمُتَجَلِّدُ فِي الْحَرْبِ، الْمُقَاوِمُ الَّذِي لاَ يَعْطَشُ وَلاَ يَجُوعُ أَثْنَاءهَا. وَقد أظهرت إيطاليا، التي دفعت ثمناً باهظاً خلال هذه الأزمة الصحية، صُمُودا مثاليا. في خضم هذا السيل من الحزن والارتباك ، أظهر الفن الإيطالي (وخاصة السابع) صُمُودا لاتينيا نموذجيا: أُقِيمت موسترا البندقية رغم كل الصعاب خلال النصف الأول من شهر سبتمبر.

أُسِّس مهرجان البندقية السينمائي الشهير في عام 1932، وعقد دورته السابعة والسبعين تحت تهديد الوباء بكل القيود المترتبة على ذلك : سجاد الأحمر شِبْه خالٍ ، و قاعات السينما نصف فارغة لضمان المسافة تحسُّبا من العدوى ، وأقنعة (ليست تلك الموجودة في الكرنفال ، للأسف) تخبئ الابتسامات والقلق الواضح خلال الافتتاح مساء الثَّاني من سبتمبر. إلا أن الهدف المنشود قد تحقق. كان علينا أن نعود إلى العيش و ليس مجرد البقاء على قيد الحياة، ولا يوجد أفضل من الفن و الثقافة لنشعر بعودة الحياة… والعود دائماً أحمد كما تقول العرب و فازت إيطاليا برهانها.

اختارت لجنة التحكيم ، برئاسة كيت بلانشيت ، تتويج فيلم “Nomadland” كأفضل فيلم في هذه النسخة. فيلم “Nomadland” فاز بِ”الأسد الذهبي” عن جدارة, و لم يُشكِّل تَتويجه أيّ مفاجأة إذ أنّه يتناسب مع المشاكل الاجتماعية الحالية ويسلط الأضواء على صمود الإنسان أمام صِعابٍ نخَالُها عقبة كَأْداء… …

ويجدر بالذكر أنّ المنتجة السينمائية التونسية الكبيرة درة بوشوشة كانت عضوًا في لجنة تحكيم “جائزة البندقية للفيلم الأول” ، وفاز الممثل التونسي يحيى محيني ، في الوقت نفسه ، بجائزة أفضل مُمَثِّل في مسابقة ORIZZONTE عن دوره في الرجل الذي باع جلده” لِلمخرجة كوثر بن هنية و كأنّها إشارة لِلْعلاقة الوَطيدة و الأبدية بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط.

لكن غالبًا ما ننسى أنّ مهرجان البندقية السينمائي هو جزء من » بينالي البندقية « الّتي تجمع عدة تخصصات فنية من الهندسة المِعماريّة والرقص الحديث والموسيقى والمسرح إلى الأرشيف التاريخية. للاحتفال بِالذِّكرى 125 من تأسيس » بينالي البندقية « ،يقام في خريف 2020 معرض « LE MUSE INQUIETE. LA BIENNALE DI VENEZIA DI FRONTE ALLA STORIA » و هو يتتبع التشابك والتقاطعات بين التاريخ وتاريخ البينالي.

تأخذ البندقية على عاتقها هذا العام إحياء شعلة الثقافة والفنون على الرغم من مرور عام مليء بالقلق و التّوتّر. من خلاله، تصبح إيطاليا قاطرة صمودا لأوروبا ودول حوض البحر الأبيض المتوسط.

 « L’Italia farà da sé » كالعادة ! وسيسعدها الترحيب بالآخر لباحث عن جودة الحياة الخاصّة بهذا البلد الغني بثقافته وفنه ورموزه التاريخية المتعددة.

 

 

Italiait Offical Instagram Account